دين ودنيامساحة للاختلاف

الدكتور أحمد عمر هاشم يكتب: النيل‏..‏ منحة ربانية

إن النيل منحة ربانية‏,‏ وليس صناعة بشرية ومن أجل ذلك فليس لأي قوة مهما تكن التحكم فيه‏,‏ ولقد رآه الرسول صلي الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج ضمن ما رأي من الآيات‏.‏

وعندما سأل جبريل عليه السلام عن الأنهار الأربعة التي رآها قال له جبريل عليه السلام:

أما النهران الباطنان فهما نهران في الجنة وأما النهران الظاهران فهما النيل والفرات ومن هنا تبرز مكانة النيل الدينية والشرعية وأنه منحة الهية فلا يصح لأحد أن يتحكم فيه, أو أن يمنع أحدا منه أو أن يحجم مقدار ما تأخذه دولة كمصر أو غيرها بل لابد أن يعلم الجميع أن الناس شركاء في الماء لأنه عطاء من رب العالمين, لعباده اجمعين فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:

(الناس شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار) رواه أبوداود

والنيل يجري بأمر الله ولا يجري بأمر مخلوق من الناس, وهناك واقعة تاريخية تدل علي أن النيل لا يجري بأمر شخص ولا بأمر دولة أو سلطة بل بأمر الله وحده, هذه الواقعة حدثت بعد الفتح الإسلامي وذلك عندما رأي عمرو بن العاص رضي الله عنه عادة من عادات قدماء المصريين وهي عادة خرافية لا تتماشي مع الدين ولا مع العقل وهي أن قدماء المصريين كانوا يزعمون أن النيل لا يفيض ولا يجري إلا إذا ألقيت فيه عروس النيل, فلما أرسل عمرو بن العاص إلي سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه رفض هذه الخرافة وقضي عليها وبين لهم بالحق والدليل والبرهان أن النيل يجري بأمر الله وليس بأمر أي إنسان, فأمر عمرو بن العاص أن يلقي في النيل الكتاب الذي كتبه له عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث كتب يقول: أيها النيل ان كنت تجري بأمر الله وحده فسر علي بركة الله وإذا كنت تجري بأمرك أو بأمر أي أحد فلا تجر, فان الأمر لله من قبل ومن بعد.

وأمره أن يلقيه في النيل فسار وفاض ولم يتوقف وقضي علي تلك العادة السيئة والخرافة القديمة, ووضح للناس بالدليل ان النيل يجري بأمر الله وحده لا شريك له.

وإذا كان النيل منحة ربانية ويجري بأمر رب البرية, فليس لأحد أو لأي قوة مهما تكن أن تتحكم فيه أو أن تتصرف في مجاريه, ولو فعلت كانت مخطئة وظالمة, لان الأمر لله وحده, وليس للبشر التدخل في شئون خالق القوي والقدر.

وان نعمة الماء من النعم الالهية التي خلقها الله سبحانه وتعالي لحياة كل شيء حيث قال الله تعالي: وجعلنا من الماء كل شيء حي

فبالماء يحيا الإنسان, ويحيا الحيوان وتحيا الأرض, ويحيا النبات والشجر وسائر المخلوقات, وقد بين القرآن الكريم كيف أن الماء ينزل علي الأرض الهامدة فتهتز وتنبت من كل زوج بهيج قال الله تعالي:

وتري الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج سورة الحج(5) وبين رب العزة سبحانه وتعالي انه يخرج بالماء الحب والنبات والحدائق الفيحاء, فقال الله سبحانه: وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا. لنخرج به حبا ونباتا. وجنات ألفافا سورة النبأ(41 ـ61)

وبين رب العزة سبحانه أنه أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة, فقال الله جل شأنه:

إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون سورة البقرة(461)

ولما كان الماء منحة ربانية ليس لأحد من الخلق يد فيها أو صناعة لها بل هو من عند الله الرزاق ذي القوة المتين, لما كان الماء كذلك يمثل منحة ربانية فقد جعله الله تعالي حقا شائعا بين الناس, وجعل حق الانتفاع به مكفولا للجميع بلا احتكار أو غصب وبلا افساد له أو تعطيل من أحد, قال رسول الله صلي الله عليه وسم:( الناس شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار) رواه أبوداود.

ومعني قول الرسول صلي الله عليه وسلم:( الناس شركاء في ثلاث..) ان كل إنسان له حق في الماء, لانه شريك فيه ومن كان شريكا كان مالكا مع غيره في هذا الماء وكان له حق فيه مثل غيره, وليس لأحد أن يجور علي حق أحد ولا أن يمنع أحد حدا من حقه في الماء, لأنه ليس ملكا لأحد من الناس ولا يستطيع أحد أن يمنع أحدا وليس من حق أحد أن يجور علي غيره أو ان يمنعه حقه, وأية إجراءات كبناء السدود أو نحو ذلك مما يترتب عليه عدم وصول الماء إلي البعض أو يجعل حصته فيه قليلة وغير كافية كما يحدث الآن تعتبر هذه الإجراءات وأمثالها إجراءات باطلة ولا تصح بحال من الأحوال.

وان واجب الحكومات والأنظمة والشعوب أن تتصدي لأي إجراء يحاول التحكم في النيل أو تقليص حصة أي دولة من الدول.

وواجب الأنظمة العالمية والحكومات والشعوب أن تكون علي قلب رجل واحد وأن تتصدي للإجراءات التي تهدد حقوق بعض الناس من ماء النيل.

وما يهدد حق مصر اليوم من النيل أمر لا يصح السكوت عليه, بل يجب علي جميع القوي والمنظمات العالمية أن تسعي لقيام الحق, ومنع الباطل, فالحق أحق أن يتبع.

اظهر المزيد

د. أحمد عمر هاشم

أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر، وعضو مجمع البحوث الإسلامية وعضو مجلس الشعب المصري السابق، وعضو مجلس الشورى السابق. ولد بقرية بني عامر مركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، في 6 فبراير 1941، وتخرج في كلية أصول الدين جامعة الأزهر عام 1961. حصل على الإجازة العالمية عام 1967، ثم عُين معيداً بقسم الحديث بكلية أصول الدين، حصل على الماجستير في الحديث وعلومه عام 1969، ثم حصل على الدكتوراه في نفس تخصصه، وأصبح أستاذ الحديث وعلومه عام 1983، ثم عُين عميداً لكلية أصول الدين بالزقازيق عام 1987، وفي عام 1995 شغل منصب رئيس جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى