مساحة للاختلاف

الدكتور مصطفى محمود يكتب: عمدة آخر الزمان

في أول تصريح له، قال عمدة لندن بعد انتخابه، إنه سوف ينشئ مكاتب لزواج الشواذ‏,‏ الرجال بالرجال والنساء بالنساء‏..‏ وقال إن من حق هؤلاء الشواذ أن نحترم اختيارهم كمواطنين وأن نرفع عنهم الظلم الاجتماعي الذي يعانونه‏..‏

يتكلم عنهم كأنهم أيتام في مآدبة اللئام!!..

والسيد كين لفنجستون الذي يأتي عمدة لأول مرة في لندن بفضل أصوات الشواذ لا شك يسارع برد الجميل لأصحاب هذه الأصوات‏..‏

والشواذ تحولوا الآن إلى عصابة لها ضغط وصوت انتخابي ولا أري اثرا لهذا الظلم الذي يتحدث عنه السيد العمدة بخصوص الشواذ‏..‏ واذا كان هناك ظلم فهو ظلمهم لانفسهم بثورتهم علي خالقهم الذي خلقهم واعلانهم التمرد علي قوانينه ومباشرتهم شهواتهم بهذه الطريقة التي لا تعطي ثمرة ولا تنجب نسلا‏..‏ فأي اختيار هذا الذي اختاروه وهل كانت ثورتهم إلا علي طبيعتهم ذاتها‏..‏ وهل كانت حريتهم إلا اهدارا للحرية واهدارا للحياة في لذة عقيم بلا ثمرة‏.‏

ولم ار احدا في لندن يقف في وجه هذه الحرية‏..‏ فالشواذ متروكون احرارا يفعلون ما يريدون‏..‏ لهم مجتمعهم الحر الذي يفعلون فيه مايشاءون‏..‏ ولهم محافلهم ونواديهم ومجلاتهم ومواقعهم علي الانترنت‏,‏ ولهم سهراتهم التي يمارسون فيها جنونهم دون أن يتدخل أحد ودون أن يشكو أحد بأمر الحكومة ومراعاة لحقوق الانسان وحقوق الشواذ التي وضعوها فوق الكل‏..‏ فماذا يريد الشواذ أكثر من هذا

وهم ينتحرون‏..‏ ويحكمون علي أنفسهم بالعقم باختيارهم هذا الزواج الشاذ رجالا برجال ونساء بنساء‏…‏ وإذا اختار المجتمع الإنجليزي أن يمشي وراءهم فسوف يمشي إلي حتفه‏.‏

فعلي أي أساس أبدي السيد العمدة احترامه الشديد لحرية هؤلاء الشواذ وعلي أي أساس يذوب عطفا عليهم‏.‏

وهل يستطيع السيد العمدة تأمين هذا الزواج الشاذ بأن يزرع لكل رجل رحما ومبيضا يجعل لهذا الزواج ثمرة‏,‏ ويضمن للجنس البريطاني الاستمرار وعدم الفناء من خلال إشباع هذه الرغبة الشاذة‏.‏

ان قضية الشذوذ ليست قضية أخلاقية وإنما هي قضية وجود أو فناء والمجتمع الذي يختار الشذوذ الجنسي سلوكا يختار الانقراض في نفس الوقت نهاية‏..‏ فنحن لانملك وسيلة للتكاثر سوي التزاوج ذكورا واناثا‏…‏ ولانملك وسائل أخري سوي التبني وأطفال الأنابيب‏.‏

وحتي أطفال الانابيب سوف يحتاجون إلي بويضات أنثوية‏.‏ ان الحرية التي يباركها السيد العمدة هي حرية القضاء علي الحرية‏..‏ وهذه اللذة التي يباركها ويدافع عنها لذة عقيم‏..‏ وهي نزوة لاتليق بمقام الانسان الذي استخلفه الله علي الارض‏..‏ وأعطاه مفاتيح السيادة علي خيراتها‏.‏

وهي امتحان وابتلاء اراده الله لهذا الانسان‏.‏

هل يكون انسانا‏…‏ أو ينزل إلي درك الحيوان؟‏!‏

والحيوان الذكر لايفعلها مع الذكران من جنسه‏.‏

فكيف بالانسان يرتضي لنفسه أن ينزل عن درك الحيوان ويفعلها‏.‏ ان الله لم يترك قوم لوط في الماضي وأبادهم عن آخرهم‏.‏

والسيف الالهي معلق الآن علي رقاب لوطية هذا الزمان‏.‏

والسيد العمدة متعاطف معهم ولا أري لهذا العطف معني‏.‏

واعجب معي لأمر هذا العمدة العجيب الذي لم تحركه قضية في لندن وبطول وعرض انجلترا إلا قضية الشواذ الذين لايلقون القدر الكافي من الاحترام‏….‏ فأراد ان يفتتح عموديته بانصافهم‏.‏

هل انتهت المشاكل الانسانية من العالم فلم يبق منها إلا ضمان تعاطي اللذة الشاذة لهؤلاء الشواذ وضمان الاستمتاع بها في أجواء من الاحترام الواجب وياحبذا لو توافر للخلوة الرومانتيكية بعض الموسيقي الكلاسيكية وبعض الشعر ليكتمل الاحترام للمشهد الرفيع‏.‏

وياتري‏..‏ هل غاب عن وعي هذا العمدة المفتون فداحة المظالم التي أغرق فيها العدوان البريطاني القارة الافريقية والهند فراح ينهب ثروات هذه المستعمرات ومازال ينهبها إلي الآن‏..‏ أو تراه لم يسمع عن أنهار الدم التي مازالت تجري حول مناجم الألماس في الكونغو وطوفان الجثث التي ألقت بها شواطيء رواندا وبوروندي بالألوف؟‏!.‏

هل غابت عنه كل هذه المظالم ولم تبق إلا مظلمة الشواذ الذين يشكون من عدم احترام المجتمع لمباذلهم؟‏!.‏

وماذا كانوا يتوقعون من المجتمع‏..‏؟؟ أن يوزع عليهم نياشين العفة ويقدم لكل واحد منهم جائزة نوبل؟‏.‏

وأين غاب الحياء‏..‏؟‏!‏

وأين غابت حمرة الخجل‏..!‏

وماذا جري للدبلوماسية البريطانية العريقة وكيف هان أمرها حتي لم يبق لها إلا خطب ود الشواذ والتباكي علي ماهم فيه من ظلم وفقدان للاحترام‏..‏ للدرجة التي أصبحت أولي أولويات عمدة لندن في عهده الجديد‏..‏ أن يقدم لهم رد اعتبار‏,‏ وهل من أجل هذه الطائفة من عبيد الشهوات ترتفع الاصوات التي تصرخ وتتباكي علي حقوق الانسان‏..‏ أقصد حقوق الحيوان‏..‏ بين الصفوة التي تدعي قيادة التنوير والتي تصف نفسها بالتقدمية؟‏!!‏ والتي تهاجم أبواقها ليل نهار دين الاسلام علي أنه الوجه الآخر للتخلف والإرهاب والهمجية‏.‏

وكيف تكون لهم بعد ذلك أي مصداقية في أي قضية؟‏!‏

وماذا بعد أن يرخص الكلام‏…‏ وترخص القيم؟‏!‏ عند الذين نأخذ منهم العلم ونتلقي عنهم دعاوي الاستنارة‏,!‏ ومزاعم التقدم؟

أي تقدم؟‏..‏ هذا الذي سوف يأخذوننا إليه‏..‏ سؤال؟‏!‏ أرجو الاجابة عليه من السيد المحترم عمدة لندن الجديد‏..‏ وحبيب الشواذ‏.‏

ونخرج من حكاية العمدة العجيب ومن انجلترا وعجائبها إلي العالم الواسع وإلي فوهات الجحيم التي تنصب من الشمس علي المصطافين في ثغور أوروبا وأفريقيا‏..‏ الحرارة التي بلغت‏80‏ درجة في الكويت وخمسين درجة في الظل في ايران وأربعا وأربعين درجة في اليونان وبلدان الجنوب الاوروبي‏.‏

ويقول علماء الفلك إن سبب هذا الصيف المشتعل ان الشمس دخلت في ذروة نشاطها والانفجارات الشمسية تتوالي علي سطحها كما يزداد عدد البقع الشمسية‏,‏ ومع كل انفجار ينطلق ذراع من النار الذرية لعدة ملايين من الأميال في الفضاء تصاحبها دوامات من الاضطرابات والانفجارات المغناطيسية التي توقف عمل المولدات الكهربائية في دول عديدة علي الارض وتغرق مساحات واسعة في ظلام دامس‏..‏ وتتضاعف حرارة الأتون الشمسي سنة بعد سنة‏.‏

ومايجري علينا هي سنن كونية أمرها عند العليم القدير الذي يدير شئون الكون كله ولا حظ لنا فيها إلا النظر والتأمل والاعتبار‏.‏

ويقول أهل الفلك انه يحدث في آخر الزمان‏..‏ أن تنفجر الشمس انفجارا هائلا ثم تضمر وتصبح جرما كرويا صغيرا مظلما‏..‏ اذا الشمس كورت واذا النجوم انكدرت‏(‏ سورة التكوير‏).,‏ وسوف تنشق السماء وتنفطر وتتناثر الكواكب وتتباعد‏.‏

اذا السماء انفطرت واذا الكواكب انتثرت وإذا البحار فجرت واذا القبور بعثرت‏(‏ الانفطار‏1‏ ـ‏2‏ ـ‏3‏ ـ‏4).‏

لقد انفكت قبضة الجاذبية عن الارض فتفجرت البحار وألقت القبور بما فيها‏.‏

وذلك هو الختام‏..‏ ويوم الدين

انهم يرونه بعيدا ونراه قريبا‏.‏

هكذا ينظر كل منا إلي هذا اليوم‏…‏ علي انه بعيد‏..‏ وأنه مازال أمامنا الزمن كله والدنيا بطولها‏..‏ أين نحن من ذلك اليوم؟‏!‏

ولكن الزمن وهم‏..‏ خيال أين الشهر الذي مضي‏..‏ وأين أيام الطفولة وأين أيام الصبا وأيام الشباب وأين ستون سنة مضت‏…‏ أين أيامها ولياليها وسهراتها وأشجانها وأحلامها‏..‏ لاشيء الزمن سراب‏..‏ أشبه بالوهم‏..‏ أشبه بخطي ساحر يمشي علي الجسم فيهرم ويتحسس الشعر فيشيب‏…‏ لا ليس وهما‏..‏ بل هو حقيقة تملكنا ولانملكها‏..‏ بل تملك كل شيء‏,‏ فالارض أيضا تهرم والامبراطوريات تشيخ‏..‏ والكواكب تهرم‏..‏ والشموس تنطفيء وتموت‏.‏

أينشتين يقول إن الزمن بعد مثل الطول والعرض ولكنه غير مرئي‏.‏

إنه فينا إذن مثل الطول والعرض ويجري علينا حكمه ولكننا لانراه والحكيم من أدرك وجوده والعاقل من حسب له ألف حساب‏.‏

وبورك الذين يحسبون حساب هذا اليوم ويستعدون لقدومه وأرجو أن تكونوا منهم‏.‏

وأرجو ان أكون معكم من أهل هذا الفهم‏..‏ والادراك ومن الذين يسمعون في دقات قلوبهم خطي الزمن وهرولة العمر وهو يجري لاهثا إلي النهاية هامسا‏..‏ هلا فعلت خيرا تضيفه إلي رصيدك قبل أن يغلق ملف الأعمال والاقوال ولايبقي شيء يذكر إلا ذنوبك وعيوبك‏..‏ هلا سارعت إلي نجدة محتاج أو اسعاف مريض أو مواساة مكلوم أو أداء واجب‏.‏

هل صحوت من غفلتك وعالجت تقصيرك وأصلحت ايمانك وصححت موقفك وأقبلت علي واجباتك‏.‏

مازال هناك وقت‏.‏

لم تأت حسرة الفوت بعد

مازالت القدم تسعي واليد تعمل واللسان ينطق والعقل يفكر‏.‏

مازلنا في الدنيا وقد أعطانا ربنا فسحة زمان

ما أجمل أن نعطي فرصة أخري فلا نضيعها

انهض إلي العمل يا أخي‏….‏ ما زال في العمر بقية‏.‏

اظهر المزيد

د. مصطفى محمود

(27 ديسمبر 1921 - 31 أكتوبر 2009) فيلسوف وطبيب وكاتب مصري. ألف 89 كتاباً منها الكتب العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية إضافة إلى الحكايات والمسرحيات وقصص الرحلات، ويتميز أسلوبه بالجاذبية مع العمق والبساطة. كان مصطفى محمود مقدّماً لأكثر من 400 حلقة من برنامجه التلفزيوني الشهير. ولد بمدينة شبين الكوم في محافظة المنوفية، واسمه بالكامل (مصطفى كمال محمود حسين آل محفوظ) وله من الأبناء اثنين: أدهم وأمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى