مساحة للاختلاف

الدكتور يحيى الجمل يكتب: المعالجة الجذرية لقضية التعليم

أتصور أننى لست وحدى فى الإحساس بالصدمة عندما عرفت أن مصر المحروسة التى كانت «قلادة جيد الدهر» فى يوم من الأيام والتى كانت جامعتها الأم – جامعة القاهرة – هى مقصد الطلاب والباحثين من أنحاء الوطن العربى كله. بل من أفريقيا أيضاً.

مصر أصبحت فى ذيل الدول من حيث جودة التعليم، كما جاء فى دراسة دولية ذات مصداقية، إذ جاء فى هذا التقرير أن مصر فى المركز قبل الأخير فى جودة التعليم من إجمالى مائة وأربعين دولة، فى حين جاءت دولة الإمارات العربية فى المركز العاشر. تهنئة لدولة الإمارات وأسفى العميق لما وصل إليه الحال عندنا.

وهناك جهود مشكورة من غير شك لمحاولة علاج هذه المشكلة تدور حول الميزانية المخصصة للتعليم والمناهج التى لا تشجع على الإبداع، وإنما تشجع على التلقين، وهذا كله مطلوب ولكنى أسمح لنفسى أن أنظر إلى المشكلة من منظور آخر أكثر جذرية.

لم أرتبط بمكان فى القاهرة قدر ارتباطى بكلية الحقوق فى جامعة القاهرة منذ أن كنت شاباً أتلقى العلم فى مدرجاتها على أيدى أساتذة عظام، أو الآن وأنا ألقى محاضراتى وأناقش بعض رسائل الدكتوراه بين الحين والحين، ولكنى سأتجاسر وأتساءل: هل نحن فى حاجة إلى هذا العدد الهائل من كليات الحقوق «كل جامعة حكومية فيها كلية للحقوق. والمناهج هى هى وطرق التدريس هى هى والاختلاف الوحيد هو فى الأساتذة الذين يقومون بالتدريس هنا أو هناك».

كليات الحقوق وقبلها وأكثر منها كليات التجارة كل ما تنتجه هو إضافة للبطالة بكل ما تعنيه البطالة من أمراض.

البطالة تعنى فيما تعنيه الانحراف نحو الإرهاب ونحو المخدرات ونحو الفوضى.

ورداً على السؤال الذى أثرته من قبل هل نحن فى حاجة إلى كل هذه الكليات للحقوق وكل هذه الكليات للتجارة أقول يقيناً لا لسنا فى حاجة إلى كل هذه الكليات. تكفى كلية حقوق واحدة فى إحدى الجامعات وكلية تجارة واحدة فى جامعة أخرى. على أن يرتفع مستوى القبول فى كل منهما بعد الثانوية العامة.

أنا أعرف قبل غيرى مدى صعوبة هذا الإجراء ولكننى أحاول أن أصل إلى معالجة «جذرية» لقضية التعليم. معالجة لا تكتفى ببعض الظواهر مهما كانت أهميتها.

ثم ماذا بعد ذلك؟

أتصور أن مدارس التعليم الفنى المختلفة هى ما نحتاج إليه فى الداخل وما يمكن تصديره – إن أحسن إعداده – إلى الخارج وفى هذا الصدد أحب أن أشير إلى كتاب هام هو «التعليم ومستقبل مصر» – رؤية واقعية وخطة عملية. ومؤلف هذا الكتاب هو الأستاذ الدكتور وجدى زيد الأستاذ بكلية الآداب جامعة القاهرة.

وفى هذه الدراسة القيّمة يقارن الدكتور وجدى زيد بين كثير من أنظمة التعليم فى العالم ويشير إلى التقرير الذى صدر فى أمريكا عام 1981 تحت عنوان «أمة فى خطر» والذى يقول فى مقدمته «إن تنمية التعليم أهم من تنمية أقوى صناعة أو أقوى جيش، ذلك لأن التعليم هو حجر الأساس لكل ذلك».

لو أردت أن أقتطف من كتاب الدكتور زيد فأغلب الظن أنى سأنقل الكتاب كله..!.

يقرر المؤلف أن ألمانيا هى أكثر الدول نجاحاً واستقراراً فى العملية التعليمية لأسباب يوردها كالتالى:

1- استطاعت ألمانيا إزالة الفواصل والتمايز والعراقيل بين مستويات وتخصصات التعليم، بين التعليم ومجال العمل (النظرية والتطبيق)، بين أصحاب الياقات البيضاء وأصحاب الياقات الزرقاء، بين المدرسة والمجتمع من خلال:

أ- الدمج الكامل بين التعليم التكنولوجى والفنى والتعليم العام.

ب- خلق هياكل تعليمية مرنة ومفتوحة.

ج- مراعاة الاحتياجات الفردية للتعليم وتطوير المهن والأعمال، واعتبار الخبرة جزءاً أصيلاً لا غنى عنه للتعليم.

د- خلق ثقافة مجتمعية (تتعلم) وتسمح للأفراد على كل المستويات أن يطوروا بشكل دائم ومستمر مهاراتهم العملية والمعرفية، وأن يشاركوا وبقوة فى الاستفادة من مزايا التغيير التكنولوجى والاقتصادى فى المجتمع.

وفى ختام هذا المقال أرجو من الزملاء الأفاضل وزراء التعليم العالى والتعليم العادى والتعليم الفنى أن يهتموا بهذه الدراسة القيمة التى أعدها وبإخلاص زميل لنا فى كلية الآداب جامعة القاهرة لم أسعد بمعرفته قبل الآن. وسأحاول أن أسعى للتعرف عليه.

والله المستعان.

اظهر المزيد

د. يحيى الجمل

(الجمعة 20 شهر ربيع الأول 1349 هـ / 15 أغسطس 1930م - الاثنين 21 صفر 1438 هـ / 21 نوفمبر 2016م).. فقيه دستوري مصري، من مواليد محافظة المنوفية، اسمه بالكامل «يحيى عبد العزيز عبد الفتاح الجمل»، حصل على ليسانس الحقوق، 1952. ثم ماجستير في القانون، 1963. ثم دكتوراه في القانون، عام 1967. بدأ حياته الوظيفية بدرجة معاون نيابة، 1953. ثم مساعد نيابة، 1954. ووكيل نيابة، 1954. ومدرس بكلية الحقوق جامعة القاهرة، 1964. وأستاذ مساعد، 1970. وأستاذ بقسم القانون العام بكلية الحقوق، جامعة القاهرة. ثم عميد كلية الحقوق، جامعة القاهرة. وتولى منصب وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء ووزير التنمية الإدارية. ونائب رئيس مجلس الوزراء 2011 استقال من منصبه في 12 يوليو من نفس العام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى