مساحة للاختلاف

الدكتورة لميس جابر تكتب: وأسفر البحث عن اثنتين وعشرين شهيدة

رغم أننا ما زلنا فى شهر مارس 2019 وبعد مائة عام من ثورة 1919، ورغم الندوات والمقابلات التليفزيونية والاحتفالات، فإنه ورغم كثرة أحداث هذه الثورة الفريدة، فالمعروف عنها قليل، وما قيل فى الأيام الماضية عناوين كبيرة وتحصيل حاصل..

والحقيقة أن قيمة هذه الثورة أنها أول ثورة قامت فى العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وهى أول ثورة فى منطقة الشرق الأوسط كله، وقد قامت ضد بريطانيا الدولة العظمى التى خرجت لتوها من الحرب منتصرة وفخورة..

هذه الثورة أثرت فيمن حولها من البلدان فقامت بعدها ثورة الهند ثم سوريا ثم ليبيا ثم مراكش.. إلخ.

وكل هذه الثورات تأثرت بسعد زغلول وتواصلت معه لأنه مفجر ثورة من أجل تحرير الشعوب كافة، وفى مقابلة صحفية مع «غاندى» على سطح باخرة كانت تعبر قناة السويس، قال «غاندى»: لقد نجح الوفد فى 1919 فى شيئين لم ننجح فيهما؛ الأول هو توحيد المسلمين والأقباط تحت شعار الهلال مع الصليب، وهو شعار الوفد، وقد تحقق بالفعل، وأدى إلى انتهاء ما سُمى بالفتنة أو الفرقة الطائفية، والثانى هو إضراب الموظفين، فنحن لم ننجح فى توحيد المسلمين والهندوس، ولم يجرؤ الموظفون لدينا على القيام بإضراب أدى إلى شلل فى أجهزة الدولة فى مصر.

والحقيقة أيضاً أنه رغم مجهودات قاسم أمين فى تحرير المرأة وكتابه «المرأة الجديدة»، فإن سعد زغلول هو الذى نجح فى إخراج المرأة من سجن الحريم ودفعها إلى الشارع والاشتراك فى المظاهرات والحراك الثورى أيام ثورة 1919، ولأول مرة فى تاريخ مصر الحديث.

فى الأسبوع الماضى كتبت عن البيان الغريب الذى انتشر عن سقوط ست شهيدات فى مظاهرة النساء فى 16 مارس والذى أصبح بسبب هذه المظاهرة الأولى من نوعها فى تاريخ مصر «يوم المرأة المصرية»، وتعجبت من انتقاء ستة أسماء بعينها، وبعد كتابة المقال أخذت أبحث فى جوف الكتب وبين الأوراق، فقد أصابتنى الدهشة من هذه الأسماء ولماذا الآن؟..

وأسرعت وراء الشغف وأعدت قراءة أسماء شهداء الثورة اسماً اسماً فى كتاب عبدالرحمن الرافعى عن ثورة 1919.. وجدت الأسماء الستة وفوقهم ستة عشر اسماً، فيكون مجموع الشهيدات المصريات فى ثورة 1919 اثنتين وعشرين، وهذا العدد بالطبع من بين ما كتب «الرافعى» وربما يكون هناك المزيد لكنه لم يتعرف عليهن كما قال هو شخصياً.

بلغ عدد الشهداء عامة فى 1919، حسب إعلان الحكومة الإنجليزية فى 15 مايو 1919، ألف شهيد، وورد فى تقرير «اللنبى» فى 24 مايو 1919 أنهم 800 و1600 جريح، ولكن «الرافعى» يقول إن الشهداء بلغوا ما لا يقل عن ثلاثة آلاف شهيد فى قرى ومحافظات ونجوع مصر كلها..

هذا غير العشرات الذين حُكم عليهم بالإعدام فى قضايا دير مواس والواسطى وملوى وفاقوس والغربية وغيرها بتهمة الاعتداء وقتل الإنجليز.

وللتأكيد، فإن «يوم المرأة المصرية» يوافق ذكرى مظاهرة النساء وليس لهذا اليوم علاقة بأى شهيدة.. وأخيراً وجدت أسماء الشهيدات المصريات؛ والأولى كما ذكرت من قبل هى «حميدة خليل» من الجمالية واستشهدت فى 14 مارس فى مظاهرة بالسيدة زينب، ثم «سيدة حسن» من المناصرة بحى عابدين استشهدت يوم 18 مارس.. «شفيقة محمد» من حى الخليفة استشهدت فى 11 أبريل.. «سيدة بنت بدران» من كفر الوزير، ميت القرشى – مركز ميت غمر، دقهلية، واستشهدت فى 23 مارس.. «رقية بنت أحمد متولى» استشهدت فى 27 مارس من تفهنا الأشراف.. «حنيفة أم عجوة» استشهدت فى 28 مارس، من بلدة «دنديط»، ميت غمر.. أما منيا القمح فقد سقطت فيها شهيدتان يوم 16 مارس؛ الأولى «أم محمد بنت جاد»، والثانية «يمنى بنت صبيح»، وفى 19 مارس فى الفيوم استشهدت ثلاث أيضاً «حميدة سليمان» و«فاطمة محمود» و«نعمات محمد»، وفى 24 مارس فى أسيوط استشهدت أختان هما «فائقة عبدالله الشامى» و«نجية عبدالله الشامى»، وفى 15 مارس بالجيزة استشهدت «نعيمة عبدالحميد محمد»، وفى قرية العزيزية فى 25 مارس استشهدت السيدة «عالية»، زوجة الشيخ حسن الجزار، وهى تدافع عن عرضها ضد سفالة الجنود الإنجليز، وفى 30 مارس فى نزلة الشوبك استشهدت زوجة «سليمان محمود الفوال» وهى تدافع عن عرضها أيضاً، وفى 10 أبريل بالقاهرة سقطت ثلاث شهيدات؛ «عائشة عمر» بالسروجية ببولاق، و«شفيقة محمد» فى الخرطة القديمة – قسم الخليفة، والسيدة «فهيمة رياض» فى الدرب الأحمر.. وبالإسكندرية استشهدت الآنسة «فهيمة دهمان» يوم 24 أكتوبر، و«نعيمة بنت على» فى 31 أكتوبر، ومن عابدين بالقاهرة استشهدت السيدة «عائشة محمد». إلى هنا انتهت الأسماء، ولكن الملاحظ أن اسم «شفيقة محمد» قد تكرر مرتين؛ مرة فى 10 أبريل (بالخرطة القديمة، قسم الخليفة) والأخرى فى 11 أبريل (فى حى الخليفة) وربما تكون نفس السيدة وقد سجل اسمها مرتين، وربما تكونان اثنتين متشابهتين فى الاسم استشهدت الأولى فى 10 أبريل والأخرى فى 11 أبريل، عموماً قد أسفر البحث والتنقيب فى جوف الأوراق عن إحدى وعشرين أو اثنتين وعشرين شهيدة مصرية فى ثورة 1919 تستحق كل منهن أن يكتب اسمها بحروف من ذهب فى تاريخ الثورة المصرية وفى سبيل كفاح المرأة المصرية التى نحتفل هذه الأيام بيومها المجيد.

اظهر المزيد

د. لميس جابر

كاتبة وأديبة مصرية مسيحية متزوجة من الفنان يحيى الفخراني ووالدة المخرج التليفزيوني شادي الفخراني، يعد مسلسل الملك فاروق أشهر أعمالها والذي تم إنتاجه في العام 2007م وفيلم مبروك وبلبل والذي تم إنتاجه في العام 1998م. تزوجت من الفخراني عقب تخرجهما من كلية الطب، ولديهما اثنان من الأبناء: طارق والمخرج شادي. تعمل كطبيبة إلى الآن بجانب عملها كصحفية وكاتبة. قدمت العديد من الأعمال التلفزيونية. في 31 ديسمبر 2015 عينها الرئيس عبد الفتاح السيسي عضواً في مجلس النواب من ضمن النواب 28 الذين يحق لرئيس الجمهورية تعيينهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى