مساحة للاختلافملفات سرية

الدكتور نبيل فاروق يكتب: لماذا تنخدع الشعوب بأساليب أجهزة المخابرات؟

خلال ثمانيه وعشرين عاماً قضيتها في دراسه وتحليل وفهم عمليات التخابر والجاسوسيه، سواء المحليه او العالميه، وقرات خلالها الاف الكتب بمعني الكلمه، والتي تنوّعت ما بين دراسات في علوم الجاسوسيه والمخابرات، وعمليات استخباراتيه، ومذكرات لرجال مخابرات سابقين، بينهم من تولوا منصب مديرين لاجهزه مخابرات عالميه، كنت اتساءل دوماً: لماذا تنخدع الشعوب باساليب اجهزه المخابرات، ما دامت معروفه ومدوّنه علي هذا النحو؟!

قرات ودرست تاريخ الثورات، وكيف تدخّلت اجهزه مخابرات كبري؛ للتحكم في مصائر الشعوب، واعاده توجيه مساراتها، وفقاً لمصالحها هي، ولامنها القومي وحده..

درست كيف استطاعت المخابرات الأمريكية احباط ثوره ايران الاولي، في ستينيات القرن العشرين، وكيف انها، وبعد ان رحل الشاه بالفعل، نجحت في اعادته الي عرشه، بواسطه نفس الشعب، الذي ثار عليه..

كان الامر بالنسبه لي اشبه بلعبة ورق، تدار باوراق مكشوفه ومكرره، وعلي الرغم من هذا، فكل الشعوب تنخدع بها..

وكل الشعوب تصاب بنوع عجيب من العمي، يجعلها لا تري تلك الاوراق المكشوفه، والتي تتكرر علي نحو عجيب..

وكان من الطبيعي ان اتساءل: ايحدث هذا فقط؛ لان الشعوب لا تعرف طبيعه هذه اللعبه العالميه؟!

ام لانها لا تقرا كثيراً في علم التخابر؟! او لا تقرا صفحات التاريخ، او تحاول الاستفاده منها؟!

ام لانها -في الاساس- لا تقرا؟!

عندما وضع موشيه دايان -وزير دفاع اسرائيل الاسبق- خطه حرب الخامس من يونيو عام 1967، استخدم الخطه ذاتها التي اتبعتها اسرائيل في حرب 1956..

ولقد اثار هذا دهشه المراقبين العسكريين بشده..

اثارهم، الي الحد الذي طرحوا فيه علي دايان سؤالاً مهماً..

الم تخش، وانت تستخدم خطه مكرره، ان يدرك المصريون كيف ستدار لعبه الحرب؟!

ايامها ابتسم دايان ابتسامه كبيره، لقائد عسكري منتصر، واجابهم في زهو بعباره قصيره..

كان وزير الدفاع الاسرائيلي الاسبق يشير الي اننا لا نقرا التاريخ..

وبالطبع فنحن لا نستفيد منها ابداً..

ومع الاسف، كان دايان محقاً..

انهزمنا في 1967 لاننا لم نقرا…

ولم نستطع الاستفاده، من دروس التاريخ..

الاسوا من هذا، اننا وبعد ان انهزمنا لاننا لا نقرا التاريخ، او نستوعب دروسه، ظللنا لا نقرا التاريخ، او نستوعب دروسه..

وكم ادهشني، ويدهشني، وسيظل يدهشني هذا!!

الغرب يصفنا باننا شعوب عاطفيه انفعاليه..

والشعوب العاطفيه الانفعاليه يصعب عليها في المعتاد استيعاب دروس التاريخ؛ لان انفعالاتها تسبق دوماً عقولها..

وهي شعوب تعشق الكلام، باكثر مما تعشق الفعل..

وعندما تتحرك، فهي اميل الي التحرك السلبي، منه الي الايجابي..

انه تصنيف ووصف للشعوب العاطفيه الانفعاليه، التي لا تقتصر علي الشعوب العربية وحدها، بل تمتد الي شعوب امريكا اللاتينية، وبعض شعوب اسيا وافريقيا..

المشكله ان تلك الشعوب هي المستهدفه دوماً، من شعوب اخري، لديها قدره اكبر علي السيطره علي مشاعرها وتصرفاتها..

شعوب تلعب دوماً دور المستعمر، في حين تلعب الشعوب العاطفيه الانفعاليه طوال الوقت دور المقهور..

هذا الدور يمنح شعبها دوماً شعوراً متواصلاً بالضعف، ويجعله يبحث عن القوه طوال الوقت، دون ان يحققها علي المستوي العملي..

ولانه، ككل شعوب الارض، يريد الشعور بالقوه، ويعجز فعلياً، بخلاف الكثير من الشعوب، عن بلوغها، فهو يصطنع تلك القوه، من خلال شعارات يهتف بها، ولافتات يرفعها، وكلمات فخمه مجلجله ينطقها..

وعلي الرغم من ادراكه ان كل هذا لا يمثل قوه حقيقيه، فانه يعمي عينيه عن هذا، ويشيح بوجهه وعقله عنه، ويتظاهر بتصديق شعاراته ولافتاته وجلجلاته..

وفي اعماقه الدفينه، يستمر شعوره بالضعف..

وهذا يدفعه الي المزيد من الشعارات واللافتات والهتافات..

والشعوب غير العاطفيه او الانفعاليه تراقب هذا..

هذا لانها تعلم ان هذا لا يكفي لربح حرب واحده..

ولقد قالها ايضاً موشيه دايان في مذكراته الشخصيه، التي حملت عباره مؤسفه..

“انني لن اخشي العرب، حتي ولو تسلحوا بضعف تسليح اسرائيل، ولكنني ساخشاهم فقط اذا ما وقفوا في طابور لركوب الاتوبيس”..

دايان كان يشير بهذا الي اهميه النظام والتنظيم..

كان يدرك، كاي قائد عسكري، ان الشعوب التي تدرك اهميه النظام والتنظيم، هي التي يمكن ان تصبح قويه، مرهوبه الجانب..

اما الشعوب التي تعجز عن هذا، فلا يُخشي جانبها، حتي لو امتلكت كل اسلحه الدنيا..

اجهزه المخابرات الكبيره تدرك هذه الحقيقه..

فعندما تواجه دوله عدوه، او دوله يهدد وجودها امنها القومي، او يشكل خطراً عليه، تتعامل معها دوماً، من خلال هذه الحقيقه..

واول سلاح تستخدمه، لهدم كيان قد يشكل خطراً عليها، هو الفوضي..

اثاره الفوضي في الدوله العدوه..

قرات هذا في دراسات علم الجاسوسيه والتخابر..

اظهر المزيد

د. نبيل فاروق

(9 فبراير 1956 - 9 ديسمبر 2020) .. كاتب مصري معروف.. اِشتهر بالأدب البوليسي والخيال العلمي. صدرت له مجموعة كبيرة من القصص عن المؤسسة العربية الحديثة في شكل كتب جيب. قدّم عدة سلاسل قصصية من أشهرها ملف المستقبل، ورجل المستحيل، وكوكتيل 2000. لاقت قصصه نجاحا كبيرًا في العالم العربي، خاصة عند الشباب والمراهقين. اسمه بالكامل، نبيل فاروق رمضان بيومي، من مواليد مدينة طنطا بمحافظة الغربية، نشأ في عائلة متوسطة الحال. بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة اِلتحق بكلية الطب في طنطا وتخرج منها بدرجة بكالوريوس في الطب والجراحة عام 1980م. بعد نجاح سلسلتي رجل المستحيل وملف المستقبل، اعتزل الدكتور نبيل فاروق مهنة الطب ليتفرغ كليًا للكتابة كمهنته الرئيسية، وانتقل للعيش في منشية البكري بمحافظة القاهرة في أغسطس عام 1990م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى