
مكرم محمد أحمد يكتب: الدولة القوية
يعاني المصريون جميعا حسرة شديدة علي غياب مصر التي يعرفونها, مصر الاستقرار والتكافل والتراحم والوحدة, مصر النخوة والأصالة والشهامة.
التي ترفض الكراهية وتنبذ العنف, وتأنف من التعصب والتطرف وغياب الرحمة ولدد الخصومة, مصر التي يدخلها الجميع آمنين ويستشعر الغرباء داخلها انهم يعيشون بين اهليهم, مصر التي يتصالح اهلها وتصفو نفوسهم في دقيقة, يتصايحون غضبا من تصرفات بعضهم البعض في الشوارع, لكنهم قلما يشتبكون في عراك حقيقي!
من الذي اختطف مصر من واديهم ليودع مكانها وطنا يستغربونه, منقسما علي نفسه, ترتفع فيه تلال الكراهية تعزل بين الناس, وتسود فيه البلطجة ويغيب عنه سلطة الدولة وحكم القانون, ويتم فيه تعليق الاجساد علي أعمدة الانارة!, وتجري في شوارعه عمليات السحل عيانا جهارا, شباب مصري يسحل شبابا مصريا, وكانوا جميعا بالأمس القريب صيحة واحدة وقلبا واحدا في ميدان التحرير!..
هل يكمن الحل الصحيح في عودة الدولة القوية؟, نعم ودون شك, لكن ما هي الدولة القوية؟, هل هي التي تبطش وتضرب وتصادر, ام انها الدولة العادلة التي تلم شمل الجميع!, وهل يكفي لعودة الدولة القوية اصدار قانون جديد أكثر حزما وتشددا ينظم التظاهر؟, او تعليق الاتهام في رقبة بعض السياسيين من المعارضة المتهمين بالتحريض علي العنف, او تحميل ما حدث لحفنة من الإعلاميين كرسوا منابرهم للهجوم علي الحكم!.
تلك حلول تعالج ظاهرات المشكلات وليس اسبابها الجوهرية وربما يكون بعضها مطلوبا في مرحلة لاحقة, لأن السبب الاصيل في كل ما يحدث هو حالة الاستقطاب الحاد التي قسمت البلاد ومزقت وحدتها واضعفت الدولة وغيبت حكم القانون واسقطت ضوابط عديدة كانت تحفظ وحدة الوطن..
وما لم نعالج المشكلة الاصل والجوهر فسوف نظل ندور حول انفسنا في متاهة بلا مخرج!, حلها الصحيح الاسراع بالمصالحة الوطنية وترميم جبهة البلاد الداخلية, وصياغة علاقات جديدة بين الحكم والمعارضة تضمن صحة المسيرة الديمقراطية وتضع قواعد واضحة للتظاهر ونبذ العنف ورفض التطرف والمشاركة يتوافق عليها الجميع, تعيد للدولة قوتها واحترامها.