تاريخ مؤتمرات الأطراف.. بدأت 1979 فى جنيف ثم أصبحت أممية وسنوية فى 1992
بدأ العالم ينتبه إلى أزمة تغير المناخ فى نهايات السبعينيات من القرن الماضى، وشهد عام 1979 أول الاجتماعات الدولية الكبرى بشأن تغير المناخ، وهو مؤتمر المناخ العالمى الأول بجنيف، سويسرا، وحضره علماء من مجموعة واسعة من التخصصات. كان مؤتمر جنيف الأول، والثانى فى عام 1990، هما الأساس الذى بنى عليه مؤتمر الأمم المتحدة المعنى بالبيئة والتنمية فى عام 1992، والذى يعرف بقمة الأرض.
تعتبر قمة الأرض أكبر تجمع على الإطلاق لرؤساء الدول والدبلوماسيين والعلماء وممثلى وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية من 179 دولة. حققت “قمة الأرض” العديد من الإنجازات العظيمة: إعلان ريو ومبادئه العالمية السبعة والعشرين، واتفاقية التنوع البيولوجي؛ واتفاقية التصحر، وإعلان مبادئ إدارة الغابات.
كما أدت “قمة الأرض” إلى إنشاء لجنة التنمية المستدامة. وتم التوقيع خلال القمة أيضًا على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، من قبل 154 دولة (بالإضافة إلى المفوضية الأوروبية). وصيغت الاتفاقية بالأساس لتحقيق الاستقرار وتثبيت تركيزات غازات الاحتباس الحرارى فى الغلاف الجوى عند مستوى من شأنه أن يمنع التدخل البشرى “الخطير” فى نظام المناخ.
دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ فى 21 مارس 1994، وتتمتع اليوم بعضوية شبه عالمية، وصدقت عليها 197 دولة، يشار لهم بـ”الأطراف” فى نص الاتفاقية. ويقع مقر أمانة الاتفاقية فى بون، ألمانيا.
ما هو COP؟
اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لها هيئات حاكمة وتلك الهيئات تحل محل صانع القرار الأعلى لمختلف المعاهدات. تتضمن الهيئات الرئيسة: COP وهى أعلى هيئة لصنع القرار فى الاتفاقية، والتى تتخذ خلاله القرارات المصيرية لدعم تنفيذها. ولفظ COP هو اختصار لمصطلح Conference Of Parties، ومعناه “مؤتمر الأطراف” بالإنجليزية، وهو الهيئة الإدارية العليا لأى اتفاقية دولية بما فى ذلك اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ UNFCCC.
محطات تاريخية لـ COP
فى تاريخ مؤتمرات الأطراف، كان لعدد منها تأثير كبير فى العمل المناخى، وامتداد يستمر إلى اليوم فى بعض الأحيان. كان مؤتمر الأطراف الأول، فى بون بألمانيا 1995، خطوة أولى فى رفع الطموح بشأن العمل المناخى العالمى المنسق، وكان التركيز الأساسى خلاله هو إطلاق المفاوضات لتعزيز الاستجابة العالمية لتغير المناخ. وعززت هذه الخطوة مفاوضات المؤتمر الثالث للأطراف، الذى عقد فى كيوتو باليابان علم 1997، بشأن على أول صفقة بالغة الأهمية للعمل المناخ.
فى هذا المؤتمر تم اعتماد بروتوكول كيوتو، الذى يحدد أهدافًا مناخية ملزمة قانونًا للدول المتقدمة، ويقيد التزامات الدول النامية، الأمر الذى حفز الولايات المتحدة لمعارضته، لأنه سيعفى الهند والصين من أى تدابير، لذلك لم يدخل البروتوكول حيز التنفيذ حتى 2005 عندما وقعت روسيا عليه. فى النسخة السادسة من المؤتمر، فى بالى بهولندا وبون بألمانيا 2000 و2001، اتفقت جميع الدول، باستثناء الولايات المتحدة، على آليات تنفيذ بروتوكول كيوتو.
كما اتفقت الأطراف على إنشاء صندوق أقل البلدان نمواً وصندوق التكيف، بموجب بروتوكول كيوتو والاتفاقية الإطارية. ظلت مؤتمرات الأطراف بين التعثر والتقدم البطيء حتى مؤتمر الأطراف الحادى عشر، فى مونتريال بكندا 2005، حيث دخل بروتوكول كيوتو حيز التنفيذ بعد 8 سنوات من اعتماده. شمل ذلك تجارة الانبعاثات، وآلية التنمية النظيفة “المعززة”، وهى إحدى آليات المرونة الرئيسية لتسهيل الاستثمار الأخضر فى البلدان النامية.
وفى بالى بإندونيسيا عام 2007، اجتمعت الأطراف فى مؤتمر المناخ الثالث عشر، بزخم متجدد لاتخاذ إجراءات قوية، ودعمت المفاوضات نظامًا مناخيًا مستقبليًا يشمل 4 “لبنات أساسية”: “التخفيف والتكيف والتكنولوجيا والتمويل”، مع تهيئة الساحة لبدء المفاوضات بشأن اتفاق جديد يخلف بروتوكول كيوتو. واتفقت الأطراف على تفعيل صندوق التكيف، وهو يعد إنجازاً للبلدان المعرضة لمخاطر المناخ.
كما اتفقت الأطراف فى نهاية المطاف على خريطة طريق بالى، التى تتضمن خطة عمل تشمل تفاصيل عملية شاملة جديدة لتمكين التنفيذ الكامل والفعال والمستدام للاتفاقية من خلال العمل التعاونى طويل الأجل.
الطريق إلى باريس
على الرغم من أن العديد من المراقبين والمهتمين بمؤتمرات الأطراف يعتبرون المؤتمر الخامس عشر بكوبنهاجن، الدنمارك 2009، أكثر مؤتمرات الأطراف إخفاقًا فى تاريخها، إلا أنه شهد لأول مرة التزام الدول المتقدمة بدفع 100 مليار دولار للبلدان النامية بحلول 2020، وهو الالتزام الشهير الذى لم يتحقق حتى الآن. جاءت نسخة كانكون بالمكسيك 2010 لتصلح ما أفسده مؤتمر كوبنهاجن، وتضمنت اتفاقيات كانكون أحكاماً بشأن التكيف، ونقل التكنولوجيا، والتخفيف، والتمويل. ووافقت خلاله الأطراف على إنشاء صندوق المناخ الأخضر، على الرغم من عدم التوصل إلى فهم لكيفية تمويل هذا الصندوق.
وفى مؤتمر الأطراف الثانى عشر، اجتمعت الأطراف بالدوحة، قطر 2012، وتم تمديد كيوتو لفترة التزام ثانية حتى 2020، والبدء فى صياغة معاهدة جديدة لخفض الانبعاثات وملزمة قانوناً للجميع لتدخل حيز التنفيذ فى 2020. فى العام التالى، اجتمعت الأطراف فى وراسو ببولندا، واتفقت على إنشاء آلية وارسو الدولية للخسائر والأضرار بموجب إطار كانكون للتكيف. وحددت الأطراف عام 2015 كموعد نهائى للتفاوض على المعاهدة الجديدة، ووافقت على تقديم مساهماتها المحددة وطنياً فى الربع الأول من 2015، وهو ما سيشكل أساس الاتفاق الجديد فى باريس.
من باريس لشرم الشيخ
كان مؤتمر باريس COP21 فى نهاية 2015، حدثًا بالغ الأهمية فى تاريخ العمل المتعدد الأطراف بشأن تغير المناخ. وقعت خلاله 196 دولة على اتفاق باريس، وهو أول معاهدة دولية ملزمة قانونًا بشأن تغير المناخ منذ عام 1997، فى 12 ديسمبر 2015.
دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ فى 4 نوفمبر 2016، وصدقت عليها حتى الآن 195 دولة تمثل 98% من الانبعاثات العالمية. نصت الاتفاقية على الحد من ظاهرة الاحتباس الحرارى إلى “أقل بكثير” من درجتين مئويتين مع التزام الدول ببذل جهد للحد منها عند 1.5 درجة مئوية.
دعا اتفاق باريس الموقعين إلى الإعلان عن مساهماتهم المحددة وطنيًا بما يتماشى مع هدف “الوصول إلى الذروة العالمية لانبعاثات غازات الدفيئة فى أقرب وقت ممكن”. اتفقت الأطراف على توفير “تدفقات مالية مناسبة”، بما فى ذلك التعهد بالاتفاق على تمويل المناخ بعد عام 2020 بمبلغ 100 مليار دولار سنويًا كحد أدنى مطلق.
وما بين نسخة باريس التاريخية ومؤتمر الأطراف السادس COP26 فى جلاسكو، المملكة المتحدة 2021، لم تحرز الأطراف سوى تقدم بطيء فى الملفات الرئيسة. لذا حظى (COP26) بأكبر تغطية إعلامية، واتسم بمشاركة غير مسبوقة من المجتمع المدنى والقطاع الخاص. أحرز المؤتمر تقدمًا مبكرًا بشأن غاز الميثان، وانضمت الولايات المتحدة إلى قائمة متنامية تضم أكثر من 100 دولة للالتزام بخفض انبعاثات غاز الميثان بنسبة 30% بحلول عام 2030.
اعتمدت الأطراف ميثاق جلاسكو للمناخ، وهو عبارة عن حزمة من القرارات “للحفاظ على درجة حرارة 1.5 درجة مئوية”، منها التخلص التدريجى من الفحم. وانتهت من وضع كتاب قواعد باريس، ولا سيما المادة 6 وقواعد الشفافية، وتسهيل دخول الآليات المتعددة الأطراف حيز التنفيذ، بما فى ذلك تداول الانبعاثات، لمساعدة البلدان على الوصول إلى المساهمات المحددة وطنيا. ووافقت الدول المتقدمة على خطة تسليم تمويل المناخ، والتى تتوقع تحقيق هدف 100 مليار دولار سنويًا فى عام 2023، على أن يتم زيادته بعد ذلك.
وصلنا بعدها إلى COP27 بشرم الشيخ فى مصر، 2022، الذى شهد إنجازا تاريخيًا بإنشاء صندوق تمويل لمعالجة “الخسائر والأضرار”. وقد أطلقت الرئاسة المصرية لمؤتمر الأطراف السابع والعشرين، أجندة شرم الشيخ للتكيف، وهى خطة عمل مشتركة لتسريع الحلول التحويلية للتكيف. كما تم الاعتراف لأول مرة بالحاجة إلى إصلاح النظام المالى العام الأوسع، بما فى ذلك بنوك التنمية المتعددة الأطراف، وبالحاجة إلى مزيد من التمويل المناخى ومعالجة الطريقة التى قد تؤدى بها الديون إلى إعاقة العمل المناخى فى البلدان النامية.
وتم إطلاق مبادرة بريدجتاون، وهى دعوة لإصلاح النظام المالى الدولى أعلنتها رئيس وزراء بربادوس “ميا موتلي”، وأعرب قادة كل من الدول النامية والمتقدمة عن دعمهم للمبادرة. وتضمن قرار مؤتمر الأطراف دعوة لتسريع نشر الطاقة المتجددة، لأول مرة على الإطلاق. كما أدرجت لأول مرة الحلول القائمة على الطبيعة فى النص الختامى للمؤتمر.
المصدر : اليوم السابع