دين ودنيا

القواعد والإجراءات المتبعة لاستطلاع ورؤية هلال رمضان في مصر

الطلب من السيد السفير نائب مساعد وزير الخارجية لشئون الوافدين والتدريب والتعاون الفني والموضوعات الثقافية العامة والشئون الدينية، بما نصه: أتشرف أن أبعث رفق هذا بالمذكرة التي تلقتها سفارتنا في إحدى الدول من وزارة الخارجية، والتي تستفسر فيها عن القواعد والإجراءات المتبعة في جمهورية مصر العربية لاستطلاع رؤية هلال رمضان وشوال.

الجواب: الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام

هذا الأمر تتعلق به قضيتان؛ إحداهما: عِلْمِيَّة، والأخرى: عَمَلِيَّة.

فأما العِلْمِيَّة: فهي ما تقرر شرعًا من أن القطعي مقدَّم على الظني؛ أي أن الحساب القطعي لا يمكن أن يعارض الرؤية الصحيحة، ولذلك صدر قرار مجمع البحوث الإسلامية سنة 1966م، واتفقت المؤتمرات الفقهية كمؤتمر جدة وغيره على الاستئناس بالحسابات الفلكية القطعية مع الاعتماد على الرؤية البصرية الصحيحة، وهذا يعني أن الحساب ينفي ولا يثبت، وأنه يُعَدُّ تهمةً للرائي الذي يدعي خلافه؛ قال الإمام التقي السبكي الشافعي في “فتاواه” (1/ 209، ط. دار المعارف): [لأَنَّ الْحِسَابَ قَطْعِيٌّ وَالشَّهَادَةَ وَالْخَبَرَ ظَنِّيَّانِ، وَالظَّنُّ لا يُعَارِضُ الْقَطْعَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهِ، وَالْبَيِّنَةُ شَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ مَا شَهِدَتْ بِهِ مُمْكِنًا حِسًّا وَعَقْلًا وَشَرْعًا، فَإِذَا فُرِضَ دَلالَةُ الْحِسَابِ قَطْعًا عَلَى عَدَمِ الإِمْكَانِ اسْتَحَالَ الْقَبُولُ شَرْعًا؛ لاسْتِحَالَةِ الْمَشْهُودِ بِهِ، وَالشَّرْعُ لا يَأْتِي بِالْمُسْتَحِيلاتِ، وَلَمْ يَأْتِ لَنَا نَصٌّ مِنْ الشَّرْعِ أَنَّ كُلَّ شَاهِدَيْنِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا سَوَاءٌ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ صَحِيحًا أَوْ بَاطِلًا… ثم قال بعد ذلك: قَدْ يَحْصُلُ لِبَعْضِ الأَغْمَارِ وَالْجُهَّالِ تَوَقُّفٌ فِيمَا قُلْنَاهُ وَيَسْتَنْكِرُ الرُّجُوعَ إلَى الْحِسَابِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا وَيَجْمُدُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا شَهِدَ بِهِ شَاهِدَانِ يَثْبُتُ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ لا خِطَابَ مَعَهُ، وَنَحْنُ إنَّمَا نَتَكَلَّمُ مَعَ مَنْ لَهُ أَدْنَى تَبَصُّرٍ، وَالْجَاهِلُ لا كَلامَ مَعَهُ] اهـ.

ونقل العلامة القليوبي في “حاشيته على شرح المحلي على المنهاج” (2/ 63، ط. دار الفكر) عن الإمام العبَّاديِّ قوله: [إذا دلَّ الحساب القطعي على عدم رؤية الهلال لم يُقبَل قولُ العدول برؤيته، وتُرَدُّ شهادتُهم… ثم قال: وهو ظاهرٌ جليٌّ، ولا يجوز الصَّوم حينئذٍ، ومخالفةُ ذلك معاندةٌ ومكابَرَةٌ] اهـ.

فإذا نفى الحساب القطعي طلوع الهلال فلا عبرة بقول من يَدَّعِيه، وإذا لم ينفِ ذلك فالاعتماد حينئذٍ على الرؤية البصرية في إثبات طلوعه من عدمه.

ومن القطعيِّ أيضًا أنَّ شهر رمضان لا يكون أبدًا ثمانية وعشرين يومًا ولا يكون كذلك واحدًا وثلاثين يومًا؛ بل هو كبقية الشهور القمرية: إما ثلاثون يومًا وإما تسعة وعشرون يومًا؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» يَعْنِي ثَلَاثِينَ، ثُمَّ قَالَ: «وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» يَعْنِي تِسْعًا وَعِشْرِينَ؛ يَقُولُ مَرَّةً ثَلَاثِينَ، وَمَرَّةً تِسْعًا وَعِشْرِينَ. متفق عليه، وفي روايةٍ رواها ابن خزيمة في “صحيحه” والحاكمُ في “المستدرك” وصححها على شرط الشيخين: «إنَّ اللهَ قَدْ جَعَلَ الأَهِلَّةَ مَوَاقِيتَ؛ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الأَشْهُرَ لا تَزِيدُ عَلَى ثَلاثِينَ» واللفظ للحاكم، وقد نقل الإجماعَ على ذلك الإمامُ ابن رُشْدٍ في “بداية المجتهد” وغيرُه.

وأمَّا العَمَلِيَّة: فعلى المكلَّف في مثل هذه الحالات أن يضع في اعتباره أمرين:

الأول: ألَّا يزيد شهر صومه على ثلاثين يومًا ولا يَقِل عن تسعة وعشرين يومًا.

الثاني: ألَّا يتعارض ذلك مع الحساب الفلكي القطعي.

وأمَّا إذا رُؤِي مثلًا هلالُ شوال في مصر ولم يُرَ في البلد الأخرى أو بالعكس مع كون الرؤيتين داخلتين في نطاق الإمكان الفلكيِّ ومع صحة عدد أيام الشهر، فإن الصائم يتبع حينئذٍ هلال البلد الذي هو فيها؛ صيامًا أو إفطارًا؛ إذ لا محظور حينئذٍ من زيادةٍ على الشهر أو نقصٍ فيه أو مخالفةٍ للحساب القطعي.

وبناءً على ذلك: فيجب على كُلِّ أهل بلدٍ متابعةُ إمامهم في رؤية الهلال من عدمها؛ وذلك بشرط إمكان الرؤية بالحساب الفلكي.

أمَّا منهج دار الإفتاء المصرية فيتمثَّل في الخطوات التالية:

1- أنَّ الرؤية تكون لجميع الشهور، ولا تقتصر على الشهور التي تتعلق بها العبادات الشرعية الإسلامية؛ وهي شهر رمضان وشوال وذي الحجة؛ وذلك حتى تنضبط رؤية هلال رمضان وهلال ذي القعدة، وذلك من أجل الوصول إلى أصوب تحديد لأوائل الشهور الثلاثة ذات الأهمية في عبادة المسلمين.

2- أن الرؤية تكون عن طريق اللجان الشرعية العلمية التي تضم شرعيين وتضم مختصين بالفلك، وعددها سبع لجان، مبثوثة في أنحاء جمهورية مصر العربية في طولها وعرضها، في أماكن مختارة من هيئة المساحة المصريَّة ومن معهد الأرصاد بخبرائه وعلمائه، فيها شروط الجفاف وشروط عدم وجود الأتربة والمعوقات لرصد الهلال.

3- أن هناك رؤية بصرية نعتمدها مع الحساب الفلكي الدقيق، والحساب الفلكي يحدد لنا أمرين:

الأمر الأول: هو مكان نزول القمر، وبمعنى أدق: الإحداثيات التي ينزل فيها القمر في هذا الشهر.

الأمر الثـاني: هو كيفية غروب القمر.

4- أن كيفية نزول القمر تتمثل في خمس حالات:

  • الحالة الأولى: أن يغرب قبل غروب الشمس.
  • الحالة الثانية: أن يغرب مع غروب الشمس.
  • الحالة الثالثة: أن يغرب بعد غروب الشمس وقبل الاجتماع بالشمس في كبد السماء.

وفي هذه الأحوال لا يمكن اعتماد الشهر؛ لأن الشهر لم يولد شرعًا.

  • الحالة الرابعة: هي أن ينزل القمر بعد الشمس ولكن قبل مضي 15 ساعة و40 دقيقة من الاجتماع والافتراق بين الشمس والقمر.

وفي هذه الحالة لا تنعكس أضواء الشمس على جرم القمر، مما يستحيل معه رؤية الهلال في هذه الحالة.

  • الحالة الخامسة: أن يغيب القمر بعد غروب الشمس، بشرط أن يكون هذا المغيب بعد 15 ساعة و40 دقيقة أو أكثر من افتراق الشمس مع القمر، فإننا نثبت -إذا ما رؤي الهلال حينئذٍ- ولادة الشهر.

وهذه المدة أتت من أن الأرصاد الفلكية في العالم كله والمراصد العظمى الجبارة لم تستطع أن ترصد الهلال في أقل من 15 ساعة و40 دقيقة بعد الافتراق؛ فهذا إجماع بين الفلكيين.

فإذا كانت هناك دعوى للرؤية وقد فُقِدَت شروط الاعتماد -كأن غرب القمر قبل الشمس، أو معها، أو بعدها وقبل الاجتماع والافتراق، أو بعدها وبعد الاجتماع والافتراق ولكن قبل مضي 15 ساعة و40 دقيقة- ففي كل هذه الأحوال لو ادعى أحدهم أنه رأى الهلال فإن شهادته ترد؛ بموجب قرار مجمع البحوث الإسلامية سنة 1966م من أن الحساب -ولأنه قطعي- يمثل تهمة للرائي الذي يدعي خلافه، ونص قرار المجمع في مؤتمره الثالث، المنعقد في الفترة من 30 من سبتمبر إلى 27 من أكتوبر سنة 1966م: [(أ‌) أن الرؤية هي الأصل في معرفة دخول أي شهر قمري كما يدل عليه الحديث الشريف، فالرؤية هي الأساس، لكن لا يُعتمَد عليها إذا تمكنت فيها التُّهَم تمكنًا قويًّا. (ب‌) يكون ثبوت رؤية الهلال بالتواتر والاستفاضة، كما يكون بخبر الواحد ذكرًا كان أو أنثى، إذا لم تتمكن التهمة في إخباره لسبب من الأسباب، ومن هذه الأسباب: مخالفة الحساب الفلكي الموثوق به الصادر ممن يوثق به] اهـ.

أمَّا إذا وافقت الرؤية الحساب -على النحو المتقدم- فإن الشهر يثبت بتلك الرؤية.

  • ومن الجدير بالذكر أن مصر -وعلى مر عقود من الزمن- لم تختلف الحسابات الفلكية في القول باستحالة الرؤية أو بإمكانها مع نتائج الرؤية الفعلية التي تقوم بها اللجان الشرعية.

ودار الإفتاء المصرية ملتزمة في ذلك بقرارات مؤتمر جدة التي لا تخرج عن منهج دار الإفتاء المصرية من اعتماد على الرؤية البصرية من ناحية والاستئناس بالحسابات الفلكية الدقيقة من ناحية أخرى.

  • هناك آراء لم تأخذ بها دار الإفتاء المصرية، ومنها:

– القول باشتراط بقاء الهلال بعد غروب الشمس أكثر من 16 أو 20 دقيقة أو نحو ذلك.

– الأخذ بالحساب الفلكي مطلقًا في اعتبار بداية الشهر من حين افتراق القمر عن الشمس بعد اجتماعهما.

– الاكتفاء بالحسابات الفلكية تمامًا على نمط معين.

– الاعتماد المطلق على الرؤية البصرية مهما خالفت أو وافقت الحساب الفلكي.

وبهذا يتضح المنهج الذي تسير عليه دار الإفتاء المصرية في رؤية الهلال وفي ثبوت الشهر العربي.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

نقلًا عن الموقع الرسمي لدار الإفتاء المصرية

الرقم المسلسل للفتوى: 3420    

التاريخ : 16/06/2016

اظهر المزيد

زينب أحمد

مدير تحرير منصة بلاحدود .. صحفية وباحثة وكاتبة محتوى .. مصرية .. تولت المشاركة في إنشاء وإدارة العديد من المواقع الإلكترونية والصحف المصرية والعربية من بينها بلاحدود والضحى والمنصة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى