مساحة للاختلاف

الدكتور فاروق الباز يكتب: نصنع غذاءنا بأنفسنا!

بعد أن احتفينا بعيد الأضحى المبارك وتبادلنا المباركات وتمتعنا بكل ما لذ وطاب، علينا أن نتمعن فى مسيرة المستقبل التى تؤهل حياة كريمة لأجيال المستقبل فى بلد تعود إليه صفات الحضارة الراقية.

ليس هناك أى شك فى أن إنتاج ما يحتاجه الناس من غذاء هو أول خطوات التقدم، والدولة التى لا ينتج أهلها ما يحتاجون تعيش رهن إشارة آخرين، والاقتراض من البنوك لتوفير الغذاء لا يؤهل للدولة أن تقوم بدورها الأساسى فى إثراء التعليم وإصلاح الخدمات الصحية وخلق المناخ المناسب للنمو الاقتصادى، بواسطة جيل متعلم ومؤهل للتقدم الدائم والإبداع والابتكار، وهذه هى متطلبات رفعة المجتمع.

لقد أثبت لنا تاريخ الأمم جمعاء أن هناك ثلاث ركائز لازدهار الحضارة الإنسانية فى أى مكان بالعالم، هذه الركائز هى:

أولا: إنتاج فائض من الغذاء لتوفير كل يلزم للتغذية محليا، إضافة إلى تخزين ما يزيد عن الحاجة، أو بيعه عند اللزوم.

ثانيا: تقسيم العمل بين أفراد المجتمع تقسيما مناسبا يؤهل لكل مجموعة أن تقوم بعملها على خير مايرام مع التشجيع الدائم.

ثالثا: الحياة الكريمة فى المدن والتى تؤهل لمجموعة من الناس أن يصلها الغذاء دون عناء حتى يتمكن البعض منهم من الرفعة الفكرية والنمو الحضارى.

تمثل مصر تطبيقا متميزا لهذه الركائز الثلاث فى تاريخها القديم، فمنذ فجر التاريخ تمكن أجدادنا من تنظيم مجتمعهم فور وحدة الشمال والجنوب منذ 5000 سنة بواسطة القائد المغوار أحمس أو نارمر، كانت التغييرات فى مناسيب نهر النيل تتغير كثيرا من عام إلى عام نتيجة كمية الفيضان فى كل صيف تبعا للتغيرات فى كمية المطر التى تهطل على أعالى النيل، كانت الدولة فى العاصمة تعمل جاهدة فى تحديد قيمة الضرائب (وكانت قسطا من الحبوب فى ذلك الوقت) تبعا لمستوى النيل، ثم جمع الحبوب ونقلها وتخزينها بواسطة الدولة لكى تستخدم فى سنوات القحط لصالح المجتمع بأكمله، أهل ذلك حياة كريمة عادلة لكل مصرى ومصرية، حيث أمكن ارساء حضارة دامت آلاف السنوات، ولم تماثلها أو حتى تصل إلى مستواها أى حضارة أخرى على مدى تاريخ البشرية.

كذلك فى العصر الحديث لم ترتفع مكانة الولايات المتحدة إلا بعد أن استطاع أهلها إنتاج ما يزيد على حاجتهم من غذاء ـ وخاصة القمح ـ لتصبح أكثر الدول تقدما، ولأن شعبها استمر فى الإبداع لتسهيل وزيادة الإنتاج النباتى والحيوانى، فمازالت لأمريكا مكانة خاصة بين الأمم.

إذن.. فإنتاج ما يزيد على حاجة الناس من الغذاء هو الخطوة الأولى لإرساء مقومات الحضارة الإنسانية فى أى مكان، كذلك فتقسيم العمل بين أفراد المجتمع للإفادة من صفاتهم وإمكاناتهم يأتى بعد ذلك فورا، يشمل ذلك رفعة كل المهن وخاصة الفلاحة.. مما سبق يجب علينا العودة إلى احترام القادر على إنتاج الغذاء، إن الفلاح هو أول من يستحق الاحترام والتقدير فى أى مجتمع، لأن دون عمله وعنائه وفكره لا تقوم الحضارة، لذلك يلزمنا العودة لدعم الفلاحة والتخصص فى إثراء المنتج بالبحث العلمى والإقلال من إهدار المنتج أثناء الجمع أو النقل وما إلى ذلك من أساسيات الحضارة التى نسيناها فى عقود ما قبل القرن الحالى.

اظهر المزيد

د. فاروق الباز

عالم مصري أمريكي عمل في وكالة ناسا للمساعدة في التخطيط للاستكشاف الجيولوجي للقمر، كاختيار مواقع الهبوط لبعثات أبولو وتدريب رواد الفضاء على اختيار عينات مناسبة من تربة القمر وإحضارها إلى الأرض للتحليل والدراسة. ولد الدكتور فاروق الباز في 2 يناير 1938، في الزقازيق بمحافظة الشرقية، وهو متزوج ولديه أربع بنات وست أحفاد. وهو أخو الدكتور أسامة الباز (رحمه الله)، المستشار السياسي للرئيس المصري الأسبق حسني مبارك. وقد انتقل والده للزقازيق لظروف عمله من قرية طوخ الأقلام بمدينة السنبلاوين وهى إحدى مدن محافظة الدقهلية. حصل على عضوية جمعية سيجما كاي (Sigma Xi) العلمية، كما نال شهادة الدكتوراه في عام 1964م وتخصص في الجيولوجيا الاقتصادية. في عام 1964، في سن 26 عامًا، نال الباز درجة دكتور في الفلسفة في علم الجيولوجيا من جامعة ميزوري للعلوم والتكنولوجيا بعد إجراء البحوث العلمية من 1962 حتى عام 1963 في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. في عام 1978، اختير الباز كمستشار علمي للرئيس المصري الراحل أنور السادات. كُلف الباز بانتقاء المناطق ذات الأراضي القابلة للاستصلاح في الصحراء دون تأثيرات ضارة على البيئة. ونظرًا لخدماته المميزة، منحه السادات وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى. يشغل الدكتور فاروق الباز منصب مدير مركز تطبيقات الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى