مساحة للاختلاف

الدكتور مراد وهبة يكتب : كتاب القرن العشرين

ماذا يعني عنوان هذا المقال‏:‏ كتاب القرن العشرين؟ إنه يعني الكتاب الذي يكون نتيجة لسبب ويكون هو في الوقت نفسه سببا لهذه النتيجة‏,‏ ويكون السبب والنتيجة معبرين عن مسار القرن العشرين‏.‏ والسؤال اذن‏:‏ من مؤلف ذلك الكتاب؟ وما السبب في تأليفه؟وما نتيجة تأليفه؟

إن مؤلف الكتاب هو جون فوستر دالاس وزير خارجية أمريكا الأسبق وعنوانه حرب أم سلام وصادر في عام.1950 والسؤال اذن: هل منع الحرب ممكن؟ جواب دالاس أن ذلك ممكن ولكن مع توافر أربعة شروط: الأول, رؤية الشعب الأمريكي للخطر حتي لا يتم تضليله بتحركات زائفة. والثاني, فهم السياسات الخيرة مع الاتحاد في التحالف معها. والثالث, رؤية السياسات الشريرة حتي يتم استبعادها برمتها. والرابع, تنمية القوي الروحية, إذ بدونها فان أية سياسة لن تكون إلا مجرد إجراء مؤقت. في ضوء هذه الشروط ماذا رأي دالاس؟

رأي قوة عظمي اسمها روسيا محكومة بجماعة متعصبة بسبب استنادها إلي معتقد يبشر بهيمنة عالمية وينكر الحريات الشخصية التي تشكل التراث الأمريكي السياسي والديني. وهذا المعتقد اسمه الشيوعية السوفييتية, تتحكم به في الجنس البشري استنادا إلي أسلحة نووية, ومن ثم فالدمار الشامل ممكن. والسؤال بعد ذلك: في وجود ذلك المعتقد هل السلام الدائم ممكن؟

جواب دالاس أن ذلك ممكن ولكن بشرط تحريك الامكانات الأخلاقية والروحية ضد العدو المطلوب تصفيته, وهو في رأيه الحزب الشيوعي السوفييتي المتعصب, بل هو ستالين زعيم ذلك الحزب في كتابه المعنون مشكلات اللينينية. وهو كتاب خطر لأنه مماثل لكتاب هتلر المعنون كفاحي حيث يبين الوسائل التي تسمح للحزب النازي من التمكن من العالم, وكذلك يريد ستالين ولكن بأدواته الخاصة. وأدواته ثلاث. الأول, إن كل ما في العقل ليس إلا انعكاسا للبيئة المادية, وبالتالي تكون المهمة الأساسية تحريك الحياة المادية للمجتمع بوجه عام وللبروليتاريا بوجه خاص. والثاني, اشاعة الالحاد. والثالث, وصف أمريكا بأنها دولة استعمارية.

هذه هي أدوات ستالين, أما أدوات دالاس فهي علي النقيض من ذلك وعددها ثلاث. أولها, متاعب أمريكا ليست مادية, إذ هي في مقدمة الدول في مجال الانتاج المادي. وثانيها, الاعتماد علي الماديات وحدها يفضي إلي نتائج تعسة وحتمية. وثالثها, ما ينقص الشعب الأمريكي هو الايمان وليس القنبلة الذرية.

واستنادا إلي أفكار دالاس هذه قدم جون روكفلر منحة إلي مجلس الكنائس العالمي في عام1955 أو بالأدق إلي بول أبرخت رئيس قسم الدراسات بالمجلس لكي يسافر ومن معه إلي دول في العالم الثالث لكي يحث الكنائس علي مواجهة الوطن والدولة بدعوي أنها تحت سلطان الله, وإذا لم تستجب فعليها الدخول في صراع مع الدولة لكي تحذرها من الاستجابة لدعوتين: التصنيع والقومية باعتبارهما معاديين للإيمان.

وقد نشر بول أبرخت هذه الأفكار في كتاب عنوانه الكنائس والتغير الاجتماعي السريع(1961). وفي نفس ذلك العام أنشأ دالاس المركز الإسلامي برئاسة سعيد رمضان, ويقع بجوار مجلس الكنائس العالمي بجنيف. وحاكمية الله هي الفكرة المحورية لدي المجلس والمركز, بل هي الفكرة المحورية التي أفضت إلي إفراز تيار أصولي من أجل القضاء علي الشيوعية.

وقد كان, إذ في يناير1979 أصدر رئيس أمريكا الأصولي جيمي كارتر قرارا بتدعيم الأصولية الاسلامية بأفغانستان في نضالها ضد الاتحاد السوفييتي. إلا أن هذه الأصولية لم تكن غايتها الاكتفاء بتدمير الاتحاد السوفييتي بل تدمير أمريكا بعد ذلك حتي تتمكن بعد ذلك من التحكم في العالم وتجسيد الخلافة الاسلامية, وقد كان, إذ بعد موت الاتحاد السوفييتي في عام1991 قررت الأصولية الاسلامية التمهيد لتدمير الكتلة الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في9/11 حيث تم تدمير مركز التجارة العالمي بنيويورك وهو أعلي مراحل الرأسمالية من قبل فعل إرهابي قامت بتنفيذه جماعة من الأصولية الاسلامية.

اظهر المزيد

د. مراد وهبة

بروفيسور وأستاذ الفلسفة في جامعة عين شمس وعضو في مجموعة من الأكاديميات والمنظمات الدولية المرموقة كما أنه المؤسس ورئيس الجمعية الدولية لابن رشد والتنوير عام 1994م. اسمه مذكور في موسوعة الشخصيات العالمية حيث يعتبر من بين الـ500 شخصية الأكثر شهرة في العالم. ولد مراد وهبة في مدينة أسيوط. في 13 أكتوبر 1926، درس الفلسفة في جامعات القاهرة وعين شمس، ونال الدكتوراة من جامعة الأسكندرية. هو عضو في عدة منظمات دولية منها الأكاديمية الإنسانية والاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية إضافة الي المجلس الأعلى للثقافة المصري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى