دين ودنيامساحة للاختلاف

الدكتور أحمد عمر هاشم يكتب : فريضة العمل في الإسلام

الإسلام عقيدة وعمل‏,‏ وعبادة وأخلاق‏,‏ وقد دعا الإسلام أتباعه إلي العمل بكل أنواعه‏,‏ دعاهم إلي عمل الطاعات للعبادات التي شرعها الله سبحانه وتعالي‏,‏ ودعا الإسلام إلي العمل والسعي في الحياة من أجل عمارة الدنيا‏

وبين الله سبحانه أنه رقيب علي كل انسان, ومطلع علي كل ما يعمله الناس, فقال الله تعالي: وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون, سورة التوبة105, فالعمل بهذا فريضة, وبين الرسول صلي الله عليه وسلم أن أفضل ما يأكله الإنسان هو ما كان من عمل يده حيث قال: ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده, وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده رواه البخاري.

وإنما ضرب الرسول صلي الله عليه وسلم بداود عليه السلام لأنه كان ذا مال وكان من الممكن أن يكتفي بما عنده من مال فلا يعمل, ولكنه مع هذا كان حريصا علي العمل, لأن العمل عبادة وشرف وحق ولأن الحياة لا تنهض إلا بمشاركة جميع أبنائها وعملهم في عمارة الحياة وبنائها.

والعمل مهما يكن بسيطا فهو أفضل من عمل منقطع أو يكون الإنسان بدون عمل فقد أخبر الرسول صلي الله عليه وسلم بأن العمل مهما يكن بسيطا أفضل من الوضع الذي لا حركة فيه ولا نهوض لأتباعه.

ولا يفيد العامل إذا كان عمله بسيطا, لأن شرف الإنسان بعمله وسعيه لا بمنظره, فقد أخبر الرسول صلي الله عليه وسلم بأهمية العمل ولو كان يسيرا فقد قال صلي الله عليه وسلم: لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة من حطب علي ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه رواه البخاري.

وشجع الإسلام علي كل أنواع العمل من زراعة وصناعة وتجارة وغير ذلك من أنواع العمل ففي مجال الزراعة قال الله تعالي: وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون, وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون, سورة يس.

وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كان له به أجر رواه البخاري ومسلم.

وفي شأن العمل التجاري كان القدوة في ذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم حيث تاجر في مال خديجة قبل بعثته.

ووضح صلوات الله وسلامه عليه أهمية العمل التجاري ومنزلة التاجر الصادق الأمين وأنه يحشر مع النبيين والصديقين كما أخبر بذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم.

وللعمل في الإسلام مكانة عالية, حيث إن صاحبه مثله مثل المجاهد في سبيل الله.

فعندما مر شاب علي بعض الصحابة ورأوا قوته وجلده قالوا: لو كان هذا في سبيل الله؟

فوضح الرسول صلي الله عليه وسلم أن العمل للسعي علي الأبناء أو علي الآباء أو علي النفس يعتبر كالمجاهدون في سبيل الله.

وأمر الرسول صلي الله عليه وسلم بالعمل والأخذ بالأسباب وعندما سأل أحد الناس وقد ترك ناقته دون أن يعقلها أي يربطها فسأل الرجل رسول الله صلي الله عليه وسلم, فقال له: اعقلها وتوكل لأن الأخذ بالأسباب لا يتنافي مع التوكل علي الله سبحانه وتعالي.

ولطالما ربط الإسلام الأسباب بمسبباتها فعندما قال الله تعالي لمريم وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا, كان جذع النخلة لا يستطاع هزه, ولكن وضحت الآية وجوب ربط الأسباب بمسبباتها.

وأيضا عندما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: لو توكلتم علي الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا.

وكما نؤكد أهمية العمل ووجوب اتقانه فإن واجب المسئولين وأصحاب الأعمال أن يعطوا العاملين حقوقهم غير منقوصة, فكما نطالب بإخلاص العاملين واتقانهم للعمل, نطالب لهم بحقوقهم ودعمهم وتشجيعهم وزيادة رواتبهم ومكافآتهم لأنهم بناة الحياة, والقائمون علي عمارتها, فلا يصح أن ننتظرهم ليطالبوا بحقوقهم أو أن يتظاهروا من أجلها بل إن واجب كل المسئولين أن يعطوا العامل حقه قبل أن يجف عرقه وأن نحافظ علي العاملين, لأن العامل كلما كان مستريح القلب آمنا علي حياته وحقوقه كان إنتاجه وافرا ومتقنا وعظيما.

وحسب العاملين شرفا أنهم يقتدون بأنبياء الله ورسله فما من نبي ولا رسول إلا كان يعمل بيده, ليعطي الدرس لأتباعه في أهمية العمل ومكانته عند الله سبحانه وتعالي.

وعلي كل مسئول أن يراقب ربه سبحانه في المساواة بين جميع العاملين, وألا يحابي بعضهم علي حساب, لأن المحاباة سبب كل خراب وضياع قال رسول الله صلي الله وعليه وسلم: من ولي من أمر أمتي شيئا فولي عليهم أحدا محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه حدفا و,لا عدلا حتي يدخله جهنم.

اظهر المزيد

د. أحمد عمر هاشم

أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر، وعضو مجمع البحوث الإسلامية وعضو مجلس الشعب المصري السابق، وعضو مجلس الشورى السابق. ولد بقرية بني عامر مركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، في 6 فبراير 1941، وتخرج في كلية أصول الدين جامعة الأزهر عام 1961. حصل على الإجازة العالمية عام 1967، ثم عُين معيداً بقسم الحديث بكلية أصول الدين، حصل على الماجستير في الحديث وعلومه عام 1969، ثم حصل على الدكتوراه في نفس تخصصه، وأصبح أستاذ الحديث وعلومه عام 1983، ثم عُين عميداً لكلية أصول الدين بالزقازيق عام 1987، وفي عام 1995 شغل منصب رئيس جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى