ياسر حسني يكتب : محمد حسان.. شريك «حبارة» الخفي
لم تكد الأوراق الرسمية الخاصة بالتحقيقات مع الإرهابى عادل حبارة الذى قتل عددا من جنود الجيش المصرى فى سيناء، يتم التصريح بنشرها حتى سقطت ورق التوت الأخيرة عن “مفتي الميكروباصات” محمد حسان.
فالتحقيقات فضحت أمام الجميع حقيقة شخصية حسان الذى كان يدعى أنه يحارب التطرف والفكر المتشدد، فهو في الحقيقة الأستاذ والمرشد “الخفي” الذى زرع التطرف فى عقول الشباب المصرى وأعدهم وجهزهم لكى يكونوا إرهابيين يكفرون الدولة المصرية ويحلون دماء جنودها ورجالها.
يقول حبارة فى أوراق التحقيقات: «قبل ما التزم على طول كنت شغال فى قهوة فى شارع فيصل “صنايعى بوفيه”، وفى يوم كنت مروح وعديت على جامع الاستقامة اللى موجود فى ميدان الجيزة وكان فيه ناس بتقعد قدام الجامع بتبيع كتب دينية وغيرها فأنا لفت انتباهى كتابين الأول عن الفتاوى، والكتاب التانى اسمه الداء والدواء لابن قيم الجوزيه».
وأضاف حبارة فى أوراق التحقيقات: «فى عام 2002 سمعت عن الشيخ محمد حسان وأنه يلقى درسا كل يوم أربعاء بعد صلاة المغرب فى مجمع التوحيد اللى موجود فى المنصورة، فكنت بأذهب بصفة دورية لحضور تلك الدروس، وتعلمنا فى تلك الدروس أن الديمقراطية كفر ولا توجد أحزاب فى الإسلام».
وتابع قائلا: «الدروس التى كان يلقيها الشيخ محمد حسان كانت تتناول دروساً فى السيرة النبوية الشريفة، والغضب من أن الشريعة غير مطبقة فى مصر وخلال تلك المحاضرات أهم ما تعلمته الأصول الثلاثة وهى النسك، والولاء والبراء، ومبدأ الحاكمية، والتى يجب الإيمان بها جميعاً على كل امرئ مسلم، والمقصود بمبدأ الولاء والبراء به، إيضاح من يحب المسلم ومن يبغض، وللأسف أن القائمين على الحكم فى البلاد يجب بغضهم لتعطيلهم أحكام الله، وهذا سبب من أسباب الكفر البواح الذى أجمع عليه علماء المسلمين، وكذلك يجب بغض الجيش والشرطة بل إنهم من الكفرة الطغاة المحاربين لشرع الله، والمحاربين لأولياء الله، وكذلك النصارى يجب بغضهم فهم من الكافرين وهم على نوعين من حيث معاملاتهم لقتالهم أو عدم قتالهم، أما فيما يتعلق بمبدأ الحاكمية فهو يقوم أساساً على تحكيم شرع الله سبحانه وتعالى، من الظلم أن يتدخل غير الله فى ملك الله سبحانه وتعالى..وكل الأدلة التى ذكرها الشيخ حسان عن مبدأ الحاكمية تؤكد كفر من لم يحكم بشرع الله».
هكذا صنع حبارة فى مدرسة محمد حسان، تعلم الدروس النظرية عن ضرورة بغض الأقباط وقتالهم، وعن كفر الجيش والشرطة والقائمين على حكم البلاد لأنهم لا يطبقون الشريعة، ثم استكمل تعليمه لينتقل من المرحلة النظرية إلى مرحلة التنفيذ بعد انضمامه للتنظيمات التكفيرية التي تولت تدريبه على الاغتيالات والتفجيرات ودفعته لتنفيذ عملياته الإرهابية.
اعترافات حبارة كشفت عن حقيقة الدور الذي يلعبه محمد حسان من خلال دروسه التي يلقيها بالمساجد، وكذلك شرائط الكاسيت التي كانت منتشرة في الميكروباصات خلال الثمانينات والتسعينيات تلتها محاضراته التليفزيونية!
كما أنها فضحت الكذبة الكبرى فى تاريخ محمد حسان الذى أراد أن يعود من أجواء النسيان إلى عالم الشهرة والتأثير مرة أخرى، عقب نبذ الجميع له بعد ثورة 30 يونيو، فقام “حسان” بطرح مبادرة للحوار مع التكفيريين والإرهابيين فى سيناء، مدعيا أنه طوال عمره يحارب الفكر المتطرف، ولكن “اعترافات حبارة” كشفت حقيقته!
بدأ محمد حسان يحتل مكانته وشعبيته من خلال درس الأربعاء الذي كان يلقيه بمسجد ومركز التوحيد بالمنصورة عقب صلاة المغرب، يخطب ويعظ ويبكى ويتشنج ويحكى قصصا تداعب مشاعر البسطاء لهدف واحد هو انتزاع دموع الحضور وهمهمات بكائهم، كانت تلك قاعدة معروفة، الشيخ الأكثر قدرة على استجلاب دموع وبكاء الحضور هو الأكثر شهرة بلا شك، لذا كان حسان يقدم نفسه للناس بالقصص الجالبة للتعاطف.
كانت بداية التناقض في شخصية ودروس محمد حسان هي حديثه الدائم عن الزهد والإنفاق ورفض زينة الدنيا طمعا فى الآخرة، ومهاجمة الأغنياء واتهامهم بالانشغال بالدنيا عن الآخرة والدين، وفي نفس الوقت كان “حسان” يذهب لالقاء دروسه في سيارته الفارهة بساعته وملابسه التى يفوق ثمنها ما يمكنه إطعام وكساء قرية كاملة من قرى محافظة الدقهلية الفقيرة، ولكن حسان كان يقنع مريديه بأن الرفاهية التي يعيش فيها ما هي إلا واجب وشرعي وتنفيذ للأمر الربانى «وأما بنعمة ربك فحدث»!!.
ومع الوقت ازدادت سيطرة حسان وزملائه من مشايخ الميكروباصات – كما كانوا يطلقون عليهم – على المساجد والزوايا مقابل تراجع المؤسسات الدينية الرسمية للدولة، تضاعفت مساحات شهرتهم، وبالتالى سيطرتهم على عقول المصريين، بدأوا الطعن والتشكيك فى الأزهر وشيوخه رويدا رويدا حتى كانت المحصلة انعدام ثقة شعب فى مؤسسته الأزهرية، ابتعدوا عن الحديث المباشر فى السياسة، ولكنهم سقوا عقول المصريين التطرف المعادى للدولة والمكفر للمجتمع قطرة قطرة، وحينما تجلت لحظة ضعف الدولة فى عقب أحداث 25 يناير 2011 انقضوا عليها وفرضوا سيطرتهم وخططوا لسرقتها نحو منطقة طالبان والصومال وكل تجارب الحكم الإسلامى بشقيه السلفى والإخوانى، غير أن تلك اللحظة التى ظنها حسان لحظة تمكين وبدأ يبحث عن دور سياسى ويخلط ما هو دينى بما هو سياسى بعدما كان يحرمه فى زمن مبارك كانت لحظة حرقه وفضحه وبداية سقوطه.
بدأت لعبة التناقضات تفضح حسان وتكشفه، عندما نشر له الشباب مقطعي فيديو، أحدهما قبل شهور من 25 يناير، قال فيه حسان: «أحيى لله الرئيس مبارك.. والله لله أحيى كلمات الرئيس مبارك حين قال، إن مصر لن تقف مكتوفة الأيدى أمام القضية الفلسطينية كلمات رائعة من رجل حكيم يجب على الأمة أن تقدره، وأن نشد على يده، وأن نعينه ونساعده وندعمه، أنا على يقين مطلق أن هاتف من الرئيس مبارك قادر على أن يؤثر فى المنطقة، ولا ينبغى لأحد أن يزايد على موقف الرئيس مبارك ومصر من كل قضايا الأمة الإسلامية».
ولم يكتف حسان وقتها بتلك الكلمات، بل أخرج من جعبته عشرات الفتاوى التى تحرم التظاهر وتشكك فى المطالبين بالتغيير وتحرم الخروج على الحاكم، ردا على دعوات بالتظاهر ضد مبارك.
أما الفيديو الثانى فكان يوم 19 فبراير 2011 بعد تنحى مبارك بأيام، وقال فيه وهو يبكى من الفرحة: «إنه فرح وهو يشاهد صورة مبارك يتم إزالتها لأن الإله هو الرب والواحد ومبارك كان يؤله نفسه، لطالما صرخنا مرارا وتكرارا ولكن هيهات قل من يتعظ وقل من يعتبر وقل من يتذكر وصدق ربى إذ يقول ذلك جزيناهم ببغيهم.. من الملك الآن..».
كما كانت من الدروس الشهيرة لمحمد حسان تلك التي يحرم فيها الانتخابات والمشاركة السياسية ويعتبرها من باب مشابهة غير المسلمين في الغرب وأن الاسلام لا يعترف سوى بمبدا الشورى لاختيار الحاكم، ولكن مع فتح باب الانتخابات الرئاسية عقب 25 يناير فوجيء انصار حسان به يظهر على المنصات لدعم مرشح التيار السلفي حازم أبو اسماعيل ويطلق عشرات الفتاوى عن أن عدم المشاركة في الانتخابات هو كتم للشهادة وأن الاسلام لم يشترط نموذجا محددا للرئاسة وادارة البلاد!! ثم ازدادت غزارة الفتاوى مع دعمه لمرشح الاخوان محمد مرسى، وكذلك قام بتغيير فتاويه عن عدم جواز عمل المرأة وولايتها وكراهية الإسلام للأحزاب وتأسيسها، فحسان يسعى لإرضاء الإخوان ويغير كافة آرائه بفتاوى تحلل كل الأشياء التى حرمها من قبل.
ومع اشتعال الاحداث في عهد الاخوان، كان حسان يخرج على الناس فى الفضائيات يطالبهم بعدم التظاهر ضد مرسى ويصف الاعتصامات التى تنظمها القوى المدنية بأنها حرام وأنها تسبب الفوضى وتشكل خطرا على مصر، ولكن بعد الاطاحة بالاخوان من الحكم، ناقض نفسه تماما وتلون ولم يفعل بالمثل تجاه مظاهرات الإخوان واعتصام السلفيين والإخوان فى رابعة والنهضة، بل على العكس دعم مظاهرات السلفيين والإخوان ودعم الاعتصام وحاول أن يشوه صورة الجيش والشرطة المصرية وأن يتهمهما بممارسة العنف تجاه اعتصام سلمى.
وبعد أن تأكد حسان أن زمن الاخوان قد انتهى بغير رجعة أراد أن يلعب دور الوسيط ويدعو للتهدئة بين الاخوان والشعب ولكن خاب مسعاه، فلم يعد الرجل صاحب كلمة مسموعة أو مؤثرة فى الأوساط المختلفة، سواء كانت سلفية أو إخوانية أو حتى فى الشارع المصرى الذى ثبت له على مدار السنوات أن محمد حسان لم يكن سوى متلاعب آخر بالدين يحلل ويفتى ويحرم وفق ما يخدم مصالحه هو أو مصالح تياره أو لمن يعمل فى صالحهم.