حمدي الكنيسي يكتب : هل من دورس لمسلسل النكبات؟
هكذا حلت ذكراها السوداء بما تنطوي عليه من علامات استفهام حائرة ولطمات علي وجوهنا الباهتة وكأنها تقول لنا: ماذا عندكم- أيها الاشاوس
عزيزي اللورد روتشيلد :
يسعدني – بالنيابة عن حكومة جلالته- ان ابلغكم «بالاعلان» التالي عن التعاطف والقبول بالتطلعات الصهيونية اليهودية كما اقرته الحكومة وذلك بانشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين ولعلكم تنقلون ذلك إلي الاتحاد الصهيوني.
توقيع: «بلفور» وزير الخارجية البريطانية
بتلك الكلمات صدرت الاشارة اللفظية والعملية لبدء أسوأ النكبات حيث استقر قرارهم علي ان تكون «فلسطين» هي الضحية بعد ان رفض الصهاينة عرضا بإقامة دولة لهم في «أوغندا» أو في «الارجنتين» ومن الواضح ان الرفض الصهيوني لقي القبول والهوي من المخطط البريطاني الغربي لان قيام دولة اسرائيل علي انقاض فلسطين يحقق اهدافا ٥ ليس اقلها قطع الاتصال والتواصل بين مصر ومعها دول المغرب العربي وبين دول المشرق !!
وهكذا بصدور الاعلان المشئوم بدأت النكبة الفلسطينية التي حلت ذكراها «الثانية والستون» والتي شهدت لحظات وقوعها الاولي اجتياح وتدمير العصابات الصهيونية لاكثر من ٥٠٠ قرية فلسطينية لدفع اهلها للهروب والهجرة حاملين معهم مشاهد الذبح والرعب التي انتقلت منهم إلي بقية القري والمدن.
وهكذا حلت ذكراها السوداء بما تنطوي عليه من علامات استفهام حائرة ولطمات علي وجوهنا الباهتة وكأنها تقول لنا: ماذا عندكم- أيها الاشاوس- لتقدموه لازالة أية أجزاء من النكبة الرهيبة، ماذا عندكم غير البيانات الهزيلة والمناشدات الذليلة والمسيرات والهتافات العليلة؟؟
وكم هو محزن ومؤسف ومحبط ان لا نجد عندنا فعلا سوي تلك البيانات والمناشدات والهتافات التي ترتد الينا بينما تظل النكبة جاثمة علي صدورنا معلنة ضعفنا وهواننا امام اعدائنا.
وقد طالبت «حركة فتح» بريطانيا بتصحيح خطيئتها التاريخية سواء بالاعلان «البلفوري» المشئوم او بمساندتها – كدولة الانتداب- للعصابات الصهيونية الا ان ما طلبته «فتح» لن يخرج عن دائرة المناشدات اياها الا اذا ساندت بريطانيا- ولو بالصمت- المبادرة الفرنسية التي يري البعض انها لم تخرج من رحم الولايات المتحدة وبالتالي قد توضع العراقيل في طريقها وان كنت – انا شخصيا اتوقع- أو ارجو ان تواصل فرنسا مسعاها ومبادرتها في اطار حرصها علي استعادة استقلالية مواقفها كما كانت ايام العظيم «ديجول» وذلك شريطة ان تجد فرنسا دعما فلسطينيا من خلال الاغلاق الفوري لملف الانشقاق بين فتح وحماس ودعما عربيا يبدأ باغلاق ملف الفرقة والتشرذم الذي انزلقت اليه الامة العربية بفعل فاعل امريكي وقطري وتركي وايراني خاصة بعد ان رأت امتنا صاحبة التاريخ العريق كيف هانت علي الآخرين عندما هانت علي نفسها وفقدت القدرة علي اتخاذ مواقف موحدة تستمر فيها امكانياتها الاقتصادية والبشرية والجغرافية والتاريخية ولعل ذلك يساعد في نجاح المبادرة أو جعلها طريقا لتدويل القضية الفلسطينية كما اعلن رئيس السلطة محمود عباس أبو مازن .
مسلسل النكبات
ان كانت ذكري النكبة الفلسطينية قد حركت المياه الراكدة لنتذكر وقائعها ونتطلع إلي سبل تجاوزها فانها في الوقت ذاته تقودنا إلي ذكري اخري لا تقل سوءا وبشاعة وهي «الذكري المائة» التي بدأت معها النكبات العربية كما خطط لها- في شهر مايو ١٩١٦ – السير «مارك سايكس» الانجليزي مع الدبلوماسي الفرنسي «جورج بيكو» حيث وضعا معا الخطة الجهنمية لت قسيم التركة العثمانية وتمزيق الامة العربية والواضح لكل ذي عينين ان ثمة خطة جديدة امتدادا «لسايكس – بيكو» تعمل الآن سرا وعلانية لمزيد من التقسيم والتمزيق والتفتيت بينما قادتنا وزعماؤنا – خاصة قادة وزعماء حركات المعارضة الموبوءة لا يرون معني ودلالة المصير المخيف الذي اصاب العراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال وكاد يصيب مصر لولا يقظة شعبها وجيشها.